إستشراء الفساد والجهوية وتردي الأوضاع… هل يواصل الرئيس الغزواني الحكم بنفس الطاقم ونفس المفسدين ؟!
تانيد ميديا : لأول مرة في تاريخ البلاد يتم تعيين ستة وزراء من ولاية واحدة إلى جانب رئيس الجمهورية وبينهم وزراء سيادة، ولأول مرة تسجل النخبة الاهتمام المتزايد بالجهوية وبالقرابة في التعيينات والمكاسب والامتيازات الرسمية على هذا النحو.
ولأول مرة يستشري الفساد ونهب الموارد العمومية وإدارة الظهر للتقارير الكاشفة للنهب الممنهج، على النحو الذي تعيشه بلادنا اليوم.
ليس جديدا تحكم الجنرالات في السلطة، ذلك أن بعض المثقفين يسمون ديمقراطيتنا بــ”الديمقراطية العسكرية”، بفعل ما يسمونه “تحكم الضباط في تفاصيل كل شيء، بما في ذلك الامتيازات المعنوية والمادية”.
ولأول مرة تشهد بلادنا سن قانون يحمي أعضاء الحكومة من النقد البناء والتوجيه الهادف ويسمون هؤلاء بـ”الرموز” ويسمون قانون حمايتهم بــ”قانون الرموز” الذي أحال الحريات إلى عدم وأسفر عن سجن العشرات من أصحاب الرأي من مهتمين بالإعلام والمدونين وحتى النواب المنتخبين من الشعب، كما تم بموجبه “اكتتاب” عديد الإعلاميين من طرف نافذين في السلطة ليصبحوا أداة الدفاع عنهم وتلميع صورهم.
لقد كان سقف الحريات مرتفعا في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، لكنه كان أعلى في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي لم يسلم شخصه ولا محيطه ولا أعضاء حكوماته من النقد اللاذع، ومع ذلك لم يشهد عهده اعتقال سوى صحفي واحد ومضايقة آخر في الفترة الاستثنائية السابقة لانتخابه، فما الذي أقنع الرئيس الغزواني بالحد من الحريات ومضايقة أصحاب الرأي، وما الذي أقناع فخامته بالسكوت على نهب أعضاء حكوماته وبعض المقربين منه لثروات الوطن، حتى أصبحت غالبية الشعب تعيش تحت خط الفقر مقابل ثلة مقربة تعيش في بحبوحة لا شرعية لها أخلاقيا ولا قانونيا، وهل يجزم أصحابها بأنهم آمنون من المسائلة والعقوبة مستقبلا؟
النهب الممنهج عبر صفقات التراضي
أسفرت صفقات التراضي عن نهب مئات المليارات من الأوقية وهي صفقات عاد فيها بلدنا إلى عشرينية ولد الطاايع حيث يتم نفخ الفواتير والكميات بصورة فجة ومفضوحة، وهو ما مكن بعض المسنودين من أن يصبحوا أثرياء في حقبتي عزيز وغزواني، حيث برز في العهدين رجال ونساء أصبحوا من الأثرياء في فترة وجيزة للغاية، ولا شك أن المواطن في كل مكان يعرف معظمهم بالأسماء والصفات قبل الثراء غير المشروع وبعده، مما يجعل عملية “التسمين غير الشرعي” مكشوفة ومفضوحة وليست بحاجة إلى صحافة استقصائية للكشف عنها.
لقد شكلت صفقات التراضي أهم مصدر للنهب وسرقة المال العام من طرف المسؤولين الكبار وبحماية من مسؤولين أكبر يستفيدون من تلك الصفقات، ولا شك أن ما كشفته منظمة الشفافية الشاملة يشكل نقطة في بحر الفساد الشاسع والعميق، ولو أرادت الحكومة تمكين الصحافة الخاصة من استقلاليتها وفتحت أمامها مصادر الخبر لكشفت الكثير وفضحت أغلب “الرموز” ليظهروا على حقيقتهم للرأي العام وفق ما يجب.
إن أسرع طريق للثراء الفاحش غير المشروع هو صفقات التراضي التي يلجأ إليها المسؤولون لنهب ثروات المواطن ومضاعفة معاناته، وهي أقصر الطرق ليصبح المسؤول من رجال المال والأعمال بعد أن كان مواطنا عاديا يكتفي بما تجود به عليه الوظيفة العمومية وفق القانون أو عن طريق الممارسة المشروعة للنشاطات التجارية “الطبيعية” والتي تدر عليه أرباحا تتناسب وطبيعة نشاطاته التجارية دون زيادة رشوة أو صفقة مشبوهة أو تزوير منتج.
التحالف العسكري الرأسمالي وحماية الاحتكار
في عهد الرئيس الأسبق، محمد خونا هيدالة، تحالف ضباط الحكم مع رجال الأعمال وإحدى الحركات السياسية ليتم تجويع المواطن والتمهيد لخصخصة قطاعي الصحة والتعليم وحرمان المواطن من كل حقوقه وبث “جواسيس النظام” في كل حي وشارع وزقاق وامتلأت السجون من المعتقلين من المثقفين والطلبة والشباب التواقين لدولة قانون ومؤسسات على غرار معظم دول العالم، حيث الديمقراطية وحماية الحريات والحقوق الأساسية.
في عهد ولد الطايع تم إحياء القبلية ومنح القطاعات الحكومية لشيخ القبائل حيث أصبحت كل وزارة وكل مؤسسة عمومية ملكا لقبيلة وجهة معينة مقابل دعم الرئيس ونظامه ليبقى في الحكم فاستشرى النفاق والتزلف وساد الفساد والنهب، ولم يتم بناء الوطن، رغم إرهاصات الديمقراطية الديكورية.
في عهد عزيز كانت الحريات في أوجها ولكن كان التضييق على أصحاب الرأي في أوجه وخاصة من الناحية المادية، وتمت صناعة رجال أعمال على مقاس النظام ووفق رغبته، ليتحالفوا مع قادة الجيش النافذين في السلطة، ومع ذلك بقي هامش من “العطف” على المواطن فتم فتح دكاكين أمل وتم اكتتاب آلاف الشباب في الوظيفة العمومية رغم تحذرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو ما جعل المواطن يتفاءل ولو مؤقتا.
وفي عهد الرئيس الغزواني، انتشر الفساد واستشرت المحسوبية والزبونية والجهوية المقيتة بسبب ثلة من النافذين الذي وجدوا أنفسهم في حالة صراع من أجل الثراء غير المشروع والنفوذ مع لوبيات الفساد الوارثة للعهود المنصرمة، فكان المواطن هو الضحية، ضحية الفقر والجهل والمرض، فتم إقصاء كل من لا يخدمون هؤلاء النافذين أو أولئك ولم يعد للحديث عن مشروع دولة القانون والمؤسسات أي مبرر في ظل القضاء على كل الآمال.
وانقسم رجال الأعمال في تحالفاتهم بين قادة الجيش والسياسة من النافذين ليصبح رجال الأعمال في حماية السلطة مقابل المواطن الهش، وهو ما أدى إلى الاحتكار وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتفشي البطالة وتردي الخدمات العامة وعودة الرشوة والمحسوبية والجهوية بصورة ممجوجة لا يقبلها غيور على مستقبل بلده وعلى مشروع دولة القانون والمؤسسات المنشودة.
وزراء تحت الصفر والرئيس محرج
يجزم المراقبون للشأن العام الوطني أن أغلب الوزراء المتعاقبين في حكومات الرئيس الغزواني هم دون المستوى، وذلك من خلال الأداء الباهت والحضور الميداني الخجول تماما، أيا كانت القطاعات الحكومية تلك.
ولعل ما يشغل أغلب الوزراء في هذه الحكومات هو زيادة المكاسب والامتيازات المالية والانخراط في لوبيات سياسية علنية مثل “التحالفات” أو غير معلنة، كتلك التي تنفذ أجندات بعض الشخصيات النافذة جدا من رجال السلطة والمال والعسكر.
ولا شك أن هذا الأداء المتواضع للوزراء هو ما انعكس على واقع المواطن والبلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وإعلاميا وأمنيا. لذلك ترتفع الأسعار بسبب سكوت المسؤولين وحمايتهم لبعض رجال الأعمال الجشعين، الذين يتحكمون في اقتصاد البلد وأسعار السوق، كما أن جل المشاريع الاقتصادية التي جرى الحديث عنها في المرحلة الراهنة هي، في مجملها، مشاريع على الورق لم تسهم، حتى الآن، في الرفع من المستوى المعيشي للمواطنين والمستهدفين بها بصورة خاصة، بل إن معظم هذه المشاريع تحولت إلى فرصة لنهب موارد الشعب وتحويلها لجيوب القائمين عليها بسبب استشراء الفساد.
إلى جانب ذلك نجد أن المجتمع يعيش حالة احتقان حقيقي بسبب ما يعيشه المواطن مشحونة بالخطابات الشرائحية والعرقية والقبلية والفئوية والجهوية، وهي وضعية لم يعمل المعنيون على إيجاد حلول ناجعة لها تجنب المجتمع مزيدا من التأزيم وتهدد نسجيه ووحدته.
كما أن البلد بحاجة إلى انتعاش ثقافي وإعلامي تحكمه ضوابط أخلاقية وقيمية توجه رسالة الثقافة والإعلام النبيلة وجهتها الصحيحة في خدمة التنمية وليس لتلميع رموز النظام من سياسيين نافذين ورجال أعمال وغيرهم.
وبدون شك وجد رئيس الجمهورية نفسه بين فكي كماشة فساد مستشر وصراع لوبيات الدولة العميقة التي تفرض نفسها على كل نظام وتوجه بوصلة الحكم وسياساته الوجهة التي تنسب كل مجموعة مما يجعل النظام عاجزا عن الأداء وخدمة المواطن.
هذه الوضعية أحرجت رئيس الجمهورية لسببين اثنين أولهما أن الرئيس تعهد بإنجازات كبيرة وواعدة تغير حال الوطن والمواطن، وهو ما لم يتحقق بسبب صراع لوبيات الحكم، والسبب الثاني هو تصريحات سابقةة للرئيس بعدم السماح بتبديد ثروات الوطن ومحاربة الفساد، وهو الملف الذي بدأه بمحاكمة صديقه اللدود محمد ولد عبد العزيز ونظامه ولكن انحرف في اتجاه مغاير تماما.
ومن شبه المؤكد أن الرئيس الغزواني سيفكر ألف مرة قبل إعلان ترشحه لمأمورية ثانية، كما أنه سيجد نفسه مجبرا عن التخلي عن ثلثي معاونيه ووزرائه حتى يستطيع الوفاء ببعض تعهداته.
أحمد ولد مولاي امحمد
العدد 794 من أسبوعية التواصل بتاريخ 17 مارس